بلال حسن التل
يكثر البعض في الأردن من الحديث عن القبضة الأمنية وتأثيرها على الحياة السياسية في بلدنا، إلى الدرجة التي تشعرك أحيانا أننا نعيش في دولة بوليسية لا يستطيع المرء فتح فمه فيها خوفاً من العسس الذين قد يكون أحدهم فردا من أفراد أسرته.
العجيب في هذه الفرية، أن أكثر من يرددونها هم من المنتمين إلى أحزاب وجماعات سياسية شمولية، عرف عنها التكلس وغياب الديمقراطية عن أطرها التنظيمية بحيث يظل أحدهم أميناً عاماً للحزب عقوداً عديدة، ومعه شلة من الرفاق المحاسيب، لذلك عرفت هذه الأحزاب والجماعات الكثير من الانقسامات والانتقادات بسبب غياب الديمقراطية وبسبب غلظة العقوبات التي كانت توقعها قيادتها على من يخالفها الرأي من أعضاء أطرها.
الأسوأ مما سبق أن هذه الأحزاب والجماعات عُرف عنها أيضاَ البطش عندما حكمت هذه الدولة أو تلك، وفي الذاكرة صور من «الديمقراطية» الستالينية والماوية ومثلهما الديمقراطية «الناصرية» و"البعثية» وكذلك ديمقراطية التجارب التي أنتجها ما عرف بالربيع العربي، وكلها تجارب و"ديمقراطيات» لم يكتفِ أصحابها بالبطش بخصومهم، بل بطشوا بحلفائهم، وصولا إلى البطش برفاقهم وإخوانهم ممن اختلفوا معهم بالرأي والاجتهاد، فعلقوهم على أعواد المشانق أو سحلوهم في الطرقات، وفي أحسن الأحوال غيبوهم في غياهب السجون لعقود وبلا محاكمات.
في كل هذه الحالات كانت امتدادات هذه التجارب وأنصارها في الأردن يصفقون لها، ويمجدونها، ويغضون الطرف عن كل فظاعاتها، لكنهم «يدبون الصوت» و"يشقون الثوب» إن استدعت أجهزة الأمن الأردنية مواطناً لتحقق معه، أو للاستفسار منه عن معلومة أو واقعة، ويتناسى هؤلاء أن أجهزتنا الأمنية الأردنية تعمل بتوجيهات نظام سياسي لم يعرف عنه أنه نظام دموي، فليس في تاريخ الدولة الأردنية المعاصرة سياسي أُعدم لموقفه السياسي أو لمعارضته، وجل الذين حوكموا ذات يوم على أخطاء ارتكبوها بحق بلدنا، لم يمضِ أصحابها كامل عقوباتهم، التي كان يوقعها?بحقهم القضاء، علماً بأن بعض هذه الارتكابات وصلت إلى درجة التآمر والخيانة، بل أكثر من ذلك صار الكثيرون منهم أصحاب قرار ونفوذ في نفس النظام السياسي الذي تآمروا عليه وتحالفوا مع أعدائه وهذه هي صفحات تاريخ الأردن السياسي تؤكد ما نقوله، كما تؤكد أن هذه الأحزاب والجماعات تستخدم فزاعة القبضة الأمنية في معظم الأحيان لتبرير فشلها وعجزها، تماماً مثلما صارت الموضة في بلدنا أن جل من يفشلون في الانتخابات يبررون هذا الفشل بالتدخل ضدهم، رغم أن هؤلاء لا «في العير ولا في النفير»، لذلك نتمنى أن تغير الاحزاب والجماعات من نفس?ا حتى يكون لما تقوله مصداقية.
[email protected]